مقال / بما كسبتْ أيدي الناس

0
324

بقلم الكاتب جميل اندوي

السنغال رقعة جغرافية زَهِيد الحجم، ذات سلطة و سيادة، يصول في أروقتها البغي والإفرط، و التسلط على الرعية بأدق ما في الكلمات من معنى، وذلك منذ فجر تاريخها إلى حاضره، لما تتحشد على أريكة الرئيس من سلطات لم تبلغ حد الإحصاء، وامتيازات لم تحصل عليها رؤساء الدول المتقدم، وصلاحيات عجزت أن تَنالها الملوك في العصر الراهن، وثمة هبة إلاهية لهذه الأراضي، تنم في الموارد الطبيعية والبشرية التي تمتاز بها، حيث يبلغ عدد سكانها حسب الإحصائيات الأخيرة 18.032.473 ، وتزايد مستمر في عدد الشباب الذين في عُنفوان شبابهم، أقبلوا على الأيام وأقبلت الأيام عليهم، كما تتمتع بأراضي شاسعة عذراء، تكاد تكون غير مأهولة، ينام في طياتهاجميع وسائل التّقدم والتّطور، ويبقى السؤال العالق على أذهان المواطنين الغيورين لبلادهم، ما العائق الذي منع السنغال من المشي بخطى حثيثة نحو التقدم، ويبدو أنها تتمثل في النقاط التي نعالجها في السطور الموالية.

-انغماس الحكومة في تسويد صفحات التاريخ بأبشع صوره، باختلاس أموال العامة، وسوء استغلال الموارد الطبيعية، واحتكار زمرتها على الثروات، ينضاف إلى ذلك شعور المواطن السنغالي بالغربة في داخل وطنه، كالطير التائه، لا ينزل في عشّ إلا ليكتشف بعد برهة أنّه لغيره، وذيوع البطالة بصورة فاحشة، وغلاء الأسعار ، وانقسام المواطنين ما بين فقير رقيق الحال، مشغول البال، تدقّ الفاقة مضاجعه، ويشوّه الجوع منظره، وينام البؤس على أثوابه، وغنّي فاحش الغنى، ميسور الحال، وفير المال، ذي اكتفاء ويسار، علاوة على اعتساف العدالة لصالح الشرذمة الحاكمة، بِليّ أعناق النّصوص لصالحها، و مدّ يدها الآثمة على المواطنين وتعذيبهم أو إيداعهم إلى السجن لأسباب مردّها سياسية.

  • قنوط هذا الشاب السنغالي الذي ربّته المصائب من مواجهة حكومة طغتْ، وبغَتْ، وأفرطتْ، ومهرَتْ على إخفاء نواياها الحقيقية، ومشارعها الخبيثة تحت غطاء كثيف من النفاق والخداع والكذب، والمكر، فقرّر الفراغ من كلام دموعه، ليركب البحر نحو مستقبل مجهول المصير؛ لألف سبب وسبب، قد يتحوّل بين عشيّة وضحاها إلى وجبة لحيتان البحر تَنهشه كَلِصّ سرق طعاما، فأسرع يحدس في جوفه ماسرق، أمله للوصول أوهن من بيت العنكبوت، علّه يعثر على موطئ قدم في الغرب، يضمن له مستقبلا باهرا، يبعث فيه النضارة والرفعة، بدلا من الخسّة والدناءة و المرّ والحنظل التي ذاقها في أروقة بلاده، وأرض آبائه وأجداده، عازما أنّه وإن أخطأ سبيل توجهّه إلى محيط الموت فما أخطأ حسن النّية فيه، فهذا خير له من إضاعة الوقت، وإنفاق الجهد في الاعتماد على حكومة لم توفّر له عملا يقتات به، أو صناعة يرتزق منه.
  • انسلاخ السّلطات الدينية عن دورها في رعاية الأتباع، والدّفاع عنهم، والاهتمام بقضاياهم الجوهريّة والمصيريّة، مع كلّ ما تتمتع بها من عناية إنسانيّة رشيدة، وحقوق قانونيّة غير منصفة، ومكانة اجتماعيّة مرموقة ، الأمر الذي جعل لها كلمةً نافذة، وسلطة قوية، بيد أنّها آثرتْ الذّوبان والانصهار في الكيان الحاكم، وتسييس الدّين أو بيعه بثمن بخس دراهم معدودة، ويجدر التّنويه على أنّ هذه السّلطة الدّينية لن تكون لها وجود بدون الأتباع المخلصين، الّذين ينضوون تحت لوائها، ومما يثبتُ جدية ذلك ما ذهب به الباحث البريطاني دونا لدكروز : ( أن الأتباع هم الذين صنعوا الشيوخ)، فهذا من المنظور الاجتماعي هو الحقيقة المرّة التي تنطبق على جلّ مدّعي المشيخة في أورقة البلاد.

إن هذه وغيرها من المصائب التي تراكمت على أعناق المواطنين، وأثقلت كاهلهم، فتسلّل اليأس إلى قلوبهم تسلل النوم إلى الأجفان أو الداء إلى الأبدان، أيقظت ضمائرهم، وأشعلت وجدنهم، وأنارت فكرهم، وجعلتهم يأخذون مسؤولياتهم، ولعل الانتخابات الرئاسية القادمة حبلى لتخبرنا ما تطمره الأيام.

       الكاتب: محمد جميل اندوي

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici